مجموعة إيمازيغن

من طرف **LIMO Noureddine** الجمعة يناير 31, 2014 5:55 am

مجموعة إيمازيغن

مجموعة إيمازيغن Img_5310

عادت مجموعة إيمازيغن الرائعة التي كنا نستمع إلى أغانيها خلال السبعينيات والثمانينيات، بل وما بعدهما.... المجموعة التي سارت بذكرها الركبان، وأشادت بها وسائل الإعلام ... وذاع صيتها في ظرف زمني وجيز.. وشاركت في مهرجانات ولقاءات فنية كبرى داخل الوطن وخارجه ..
لقد كانت بحق سابقة لأوانها.. ونهلت من منابع مختلفة وتشبعت بصيغ فنية متعددة وحاولت دمجها في القالب الغيواني الذي كان بمثابة موضة آنذاك .... لكنها - والحق يقال - لم تتقيد بالنمط الغيواني فزادت عليه وجاءت بتحسينات وتنويعات وزخارف نغمية... وأبدعت في مواويل أمازيغية جعلتها مقدمات لأغانيها.. مواويل أبدعت فيها حنجرة الفنان عبد اللطيف عويط وأنامل الفنان حميد إيمازيغن، ويتم فيها الانتقال من أقصى القرار إلى أقصى الجواب .... ومزج النغمة الرقيقة الأنثوية بالنغمة الذكورية الغليظة المنخفضة . ويتناوب فيها الصوت وتعليقات الغيتار فيما يشبه حوارا موسيقيا أو لعبة منافسة صوتية شريفة.. وأنا هنا أحيل على المواويل الموجودة في مقدمات أغان مثل : يا لا غات غيفي ، وأيمانو يمانو ، وشحال أينيخ ، ولا يا بابانو لا، وإيغاب أو سمونينو ....فهي أمثلة رائعة على ما أقول....
كان لقيثارة الفنان حميد مقبضان (مانش) أحدهما مدوزن ( مضبوط ) على النمط الشعبي، والثاني مضبوط على النغم الغربي، وهو الأسفل على ما أعتقد .... فكان يستخدمه لتزيين الجمل الموسيقية وتفخيمها، وإظهار الهارموني، والأنغام المشتركة بين الأغنية الشعبية والعربية عموما وبين الأغنية الغربية.( لاحظ كيف استخدمه حميد في بداية أغنية "واخا ليخ أو سيخ اسرك،" ) .. وكان يستخدمه لتأدية الجملة الواحدة بطرق مختلفة لا يفي بها المانش الأعلى لوحده.... ومعنى هذا أن المقبض الأسفل كان ضروريا ولم يكن مجرد ديكور للتزيين أو الإبهار كما قد يتبادر إلى بعض الأذهان....
لقد كان على المجموعة أن تستجيب لمعايير كثيرة كلها حاسمة وهامة.. فمن جهة : كان يجب أن تستحضر معايير الأغنية الغيوانية وإيقاعاتها والمقامات التي تشتغل فيها غالبا .. ومن جهة ثانية كان يجب أن تستجيب لمعايير الأغنية الأمازيغية القحة وخصوصياتها، ومواويلها، وإيقاعاتها، وأن تعود إلى التراث لتبحث فيه عن أنغام أمازيغية تكون بمثابة نماذج أصلية (آركيتيب) تستلهمها أو كلمات جميلة تستخدمها، أثناء التلحين .. أما التحدي الأكبر فهو ضرورة الحفاظ على موسيقية اللفظ الأمازيغي، وأوزان الشعر الأمازيغي أثناء التلحين، حتى لا يتم تكسيرهما بسبب الحرص على التجديد والرغبة في النسج على منوال الأغنية الغيوانية وإيقاعاتها... هذا هو التحدي الأكبر الذي نجح فيه حميد إيمازيغن وعبد اللطيف عويط ورفاقهما الذين أبلوا البلاء الحسن في هذه المغامرة الصعبة .....لقد كنت أقول في نفسي آنذاك وأنا شاب مراهق : إنني أخشى أن يؤدي بهم التجديد إلى الرداءة والخروج عن مقاييس الجودة في عالم الأغنية الأمازيغية، ولكن حين أديتُ شخصيا تلك الأغاني وعزفت تلك الألحان أمام فنانين أمازيغ وجمهور بدوي قح بمعية صديقي حميد العقاوي ( وهو أحد أبناء قريتي أغبالو الواقعة بإقليم ميدلت) تبين لي أنها نجحت في تحريك عواطفهم ونيل إعجابهم وأثبتت وفاءها للنغم الأمازيغي رغم القالب الغيواني الذي كانت تأتي فيه أحيانا.. وعلي أن أقول إنه ليس من السهل أن ينجح المرء فنيا في جلب انتباه مثل هؤلاء الناس (أقصد الفنانين الأمازيغ ، وجمهور أعالي الجبال) بسبب تعودهم على ما هو فصيح ورصين وشجي.. ما علينا إلا أن نلاحظ خاتمة أغنية هان أدروخ هان أدعموخ ليتبين لنا أن ملحن الأغنية بقي وفيا لخصائص الجرس الموسيقي الأمازيغي ولم يكسر الكلمات ولم يشوه العبارات لنقرأ :
إيس كران إيلان اتاسا اها نيين ايسان
إيموراغ نون ابا با غزان ديكي اصنضالن
غاس اوْرا اوْرا يا تاسا الموت اشت اكلان
إنها كلمات تحافظ على جرسها الموسيقي حين يتم تلحينها مثلا، على إيقاع 6 على ثمانية، وإيقاع 12 على ثمانية ... وهناك بطبيعة الحال إيقاعات أخرى يمكن أن تحافظ عليها.... ولكن الملحن هنا يجب أن يكون ذكيا حتى لا يكسر الكلمات أو يخل بالإيقاع ... إنه بين نارين عليه أن يتجنبهما في نفس الوقت .. ولذلك أعجبت شخصيا بالمجموعة ... لأنها نجحت في هذه المهمة الصعبة ، فجددت دون أن تخل بالقالب العام، ودون أن تخرج عن ضوابط الجودة الخاصة بالأغنية الأمازيغية ... بل إنها أضافت إلى هذه الأخيرة بفضل الثقافة الموسيقية للمجموعة ما يظهر بريقها، وخصوصياتها، ويسلط الضوء على محاسنها، وما يتجاوب معها من المقامات التي قد لا تستخدم في التلحين الأمازيغي (في المغرب على الأقل) أو تستخدم ولكن لماما ...ففي مقدمة أغنية "هان ادروخ هان أدعموخ" ، قد يخيل إلى المستمع أن الأمر يتعلق بأغنية شعبية للمشاهب أو السهام ...(لأنها جاءت على نمط هاتين المجموعتين ) لكنه سرعنا ما يفاجأ بكلمات أمازيغية بدل العربية التي يتوقعها، منسجمة مع الإيقاع واللحن أيما انسجام ... أما مقدمة أغنية شحال أينيخ أد صبرخ ، فجاءت على مقام أندلسي يسمى "رصد الذيل"، لم أسمع لحد الآن أية أغنية أمازيغية معاصرة لحنت على منواله . وربما كان منعدما في المجال اللحني الأمازيغي المعاصر..... وأما مقطع : آدوركان ايولينو آدور كان.....وهو المقطع الثالث من أغنية "ما سكيخ إيوسمون"، فيظهر فيه النغم الأمازيغي، الذي يذكرنا بأعالي الجبال ومواويل الرعاة وصداها ، وآهات العشق الموجهة إلى البحيرات والصخور والأدغال . وكذلك أقول عن مقطع من مقاطع أغنية "ياك نيخاش أورا" يبدأ بقولهم " وايا يا يا يا ياي، واثا مانو عافاش (الخ) .. .واشا يكاد ايورا شا يكاد اورين ايمخالاف اوساوغ ديكي، ودا يكار اوراغ ايكرد املال ايكراس ازوكاغ كاماس ... قبل المرور إلى التسليم وبالتالي، نهاية الأغنية. وكذلك أقول عن أغنية " غاس اورا وما العذاب يشتابيت ربي ياروتن غيفي / وتا مانو، انخوُو تمازيرت إيعمر وول اياربا ". فالأنغام التراثية القحة واضحة في هذه المقاطع. "وما أحسن دمج النغمة الأمازيغية بالغيوانية والتوفيق بينهما في مقطع :
واو شوف أيدروخ - خف اوسمونينو إيزريي .
وما خف مي تزريد – وهان الفراق نش ايصعبي .
أعود لأقول إن هذه المجموعة اجتهدت فأصابت.. وكانت سابقة لأوانها.. ولأن أعمدتها المجددين سافروا خارج الوطن بسبب ظروف أوضحها الفنان عبد اللطيف عويط على شاش القناة الثامنة ، فقد حرم الجمهور منها وانقطعت الصلة بينه وبينها لمدة طويلة، ولكن بعد العودة لمسنا نفس الحرارة ونفس التصفيقات، ونفس الإعجاب ، فأتمنى أن تستمر المجموعة في أداء رسالتها الفنية كما عهدناها، وأن تعيد توثيق الأغاني القديمة بجودة صوتية أحسن، تتيحها الوسائل والتقنيات الجديدة ، وأتمنى أن تسعفها الظروف لتزورنا إن شاء الله يوما ما، للمشاركة في مهرجان "الشعر الغنائي الأمازيغي"، الذي نطمح إلى أن ينظم كل سنة، وبانتظام ، في قريتنا أغبالو إسردان (إقليم ميدلت ) . وما أجدرها وما أجدرنا بذلك لأنها تحمل اسم "مجموعة إيمازيغن "، ولأن التناسب بين اسمها وعنوان المهرجان أوضح من شمس يوليوز.